الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
121515 مشاهدة
الله تعالى ربّى الإنسان بإسباغ نعمه عليه

مما يَخُصُّ الإنسان أن الله تعالى ربَّاهُ بنعمه، ربانا بِنِعَمِهِ، فأولا: عنايته سبحانه بالمخلوق عندما كان في الرحم، الإنسان وغيره من الحيوانات؛ عنايته به لما كان في الرحم. لا شك أنها دلالة على عظمته. كيف أنه تطور من كونه نطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى عظام، إلى عظام ولحم، ثم لما تم خَلْقُهُ أخرجه إلى هذه الدنيا، ثم لَمَّا أخرجه جعل له ما يتم به معاشه؛ فأعطاه سمعا وبصرا ولسانا وقلبا، وأعطاه يدين ورجلين، وأعطاه جميع الْخَوَاصِّ التي يحتاج إليها؛ لتتم بذلك نعمته.
ثم بعد ذلك ذكر العلماء أن الله تعالى من عنايته بالإنسان لما كان في بطن أمه: لم يكن له إلا باب واحد يَتَغَذَّى به، وهو سُرَّتُهُ؛ يتغذى بهذا الدم الذي هو دم الطَّمْثِ، ينصرف إلى سرته، ثم مع ذلك يجري في عروقه إلى أن ينبت إلى أن نبت وتنامى خلقه.
ولما خرج إلى الدنيا أول ما خرج كان له بابان يأتيه منهما الرزق، وهما الثديان، جعل الله تعالى فيهما له غذاء، وألهمه وهو طفل ساعةَ ما يولد -ألهمه أن يمص، فإذا مص هذا الثدي دَرَّ عليه لبنا سائغا، كان في هذا غذاؤه.
ولما استغنى عن هذين البابين جعل الله غذاءه أربعة أبواب: طعامان وشرابان، الطعامان: الأول اللحوم، والثاني بقية الأطعمة التي هي النباتات - اللحوم والنباتات، هذه هي غذاؤه، فكل الأغذية لا تخرج عن هذين: إما نباتات يخرج من الأرض ثم بعد ذلك يُعْمَلُ ما يعمل، وإما من هذه اللحوم التي يسرها الله تعالى وأحلها؛ لحوم صيد البحر، وصيد الْبَرِّ، والبهائم وما أشبهها، فيها غذاؤه، وبها ينبت جسمه، وبها ينمو، وبها يكبر.
أما الشرابان فأحدهما: اللَّبَنُ الذي جعله الله تعالى غذاء، وهو ما يخرج من هذه الحيوانات من الإبل أو البقر أو الغنم التي فيها هذا اللبن. والثاني: بقية الأشربة التي هي الماء أو ما يُعْصَرُ من العصيرات من الفواكه ونحوها الماء ونحوه، لا شك أن هذه أيضا عناية تامة؛ طعامان وشرابان إلى أن يخرج من هذه الدنيا.
فإذا خَرَجَ من الدنيا، فإن كان من أهل السعادة، ومن أهل الخير؛ فتح الله له أبواب الجنة الثمانية، كما جاء ذلك في حديث عبادة قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأَنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان مِنْ عَمَلٍ وفي رواية: فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أَيِّهَا شاء وفى حديث الوضوء: أن العبد إذا توضأ، وَكَمَّلَ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء .
أما إذا كان شَقِيًّا فإنها تُفْتَحُ له أبواب جهنم والعياذ بالله: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ .
وبابُ الجنة كما ورد في الحديث أَنَّ سَعَتَهُ مسيرة أربعين سنة، ما بين مِصْرَاعَيِ الباب مسيرة أربعين سنة بالسير المعتاد. ماذا تكون سعة الباب الواحد؟! قد تكون مسافة أكثر من مائة ألف كيلوات أو أمتار، فأخبر بأنه يأتي عليه يوم وهو كظيظ من الزحام؛ أي مع هذه السَّعَةِ كل باب هذه سعته.
فهذا معنى أن الله تعالى ربَّانَا بنعمه، وإذا كان هو الذي ربَّانا فإنه هو رَبُّ العالمين. رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ يعني مُرَبِّيهم الذي رَبَّاهُمْ بِنِعَمِهِ، وإذا كان كذلك؛ فإنه المعبود وحده، لا نَعْبُدُ غيره.